اخبار عالمية

بعد “الضربة الإيرانية”.. هل تحتم قواعد الاشتباك إبلاغ الخصم؟

أثار إعلان إيران عن إخطار جيرانها قبل 72 ساعة من الهجمات على إسرائيل وإبلاغ واشنطن بأنها ستكون “محدودة” – ومن ثم إبلاغ إسرائيل-، تساؤلات بشأن قواعد الاشتباك العسكري في أوقات النزاعات الدولية، ومدى الالتزام بها من طرفي الصراع.

وسبق أن اعتبر موقع المونيتور الأميركي، أن الضربة التي استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق وأودت بحياة عدد من قادة الحرس الثوري الإيراني، أشارت إلى رغبة القيادة العليا الإسرائيلية في إعادة كتابة قواعد الاشتباك في حربها السرية المستمرة منذ سنوات لإبقاء إيران ووكلائها في مأزق.

ويرى محللون عسكريون في حديثهم لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن قواعد الاشتباك العسكري هو مفهوم مُتداول في العلوم العسكرية، ويعني القواعد التي ينبغي أن تلتزم به القوات المسلحة في أي دولة حين نشوب نزاع مُسلّح، خاصة أن لها أبعاد سياسية واستراتيجية وقانونية، في الوقت الذي يمكن أن تتم إما عبر الطرق الاستخباراتية أو الوسطاء أو عبر وسائل إعلام كما جرى في حالة إيران.

قواعد الاشتباك العسكري

  • في العلوم العسكرية، تعد قواعد الاشتباك بمثابة التوجيهات العسكرية التي تهدف إلى وصف الظروف التي ستدخل القوات البرية والبحرية والجوية في ظلها، وتواصل القتال مع القوات المتحاربة.

  • ومن الناحية الرسمية، تشير قواعد الاشتباك إلى الأوامر الصادرة عن سلطة عسكرية مختصة والتي تحدد متى وأين وكيف وضد مَن يمكن استخدام القوة العسكرية، ولها آثار على الإجراءات التي قد يتخذها الجنود على سلطتهم الخاصة والتوجيهات التي قد يصدرها قائد.

  • وتعد قواعد الاشتباك جزءًا من اعتراف عام بأن الإجراءات والمعايير الأساسية لسير الحرب وفعاليتها، في حين يجب أن تكون قواعد الاشتباك متسقة مع مراعاة مجموعة متنوعة من السيناريوهات المحتملة والجوانب السياسية والعسكرية لحالة معينة.

  • ويمكن أن تصف الإجراءات المناسبة فيما يتعلق بالحشود غير المسلحة، وممتلكات المدنيين المحليين، واستخدام القوة في الدفاع عن النفس، ورد النيران المعادية، وأخذ الأسرى، ومستوى العداء (أي ما إذا كان البلد في حالة حرب)، فضلا عن عدد من المسائل الأخرى.

  • في الولايات المتحدة، هناك قاعدتان معترف بهما بشكل عام للاشتباك هما “ROE (SROE)”، والتي تشير إلى المواقف التي لا تكون فيها الولايات المتحدة في حالة حرب فعلية وبالتالي تسعى إلى تقييد العمل العسكري، و”ROE (WROE)” في زمن الحرب، والتي لا تقصر الردود العسكرية على الأعمال الهجومية.

  • من الناحية التاريخية، كانت فكرة تنظيم الحرب مدعومة بقائمة طويلة من المعاهدات والاتفاقات الدولية، أهمها اتفاقيات جنيف، التي تنظم معاملة أسرى الحرب والمدنيين، ومع ذلك، فإن قواعد الاشتباك هي مفهوم حديث تستلزمه إمكانية الحرب النووية، والتقدم في الاتصالات السلكية واللاسلكية، وزيادة استخدام القوات العسكرية في أدوار حفظ السلام.

  • وتلعب قواعد الاشتباك دورا مهما في التحكم في العملية العسكرية وأهدافها وأبعادها كذلك، وتسعى لتقليص عدد الضحايا في العسكريين والمدنيين.

  • حددت الأمم المتحدة مستويين للقوة في قواعد الاشتباك، الأولى “مميتة” وهي التي تتسبب بوفاة عند استعمالها أو إصابة خطيرة، ويبرر استعمالها فقط عند الدفاع عن النفس عند الشعور بتهديد حقيقي، والثاني “غير مميتة”، وتستعمل في الحالات التي لا تشكل خطرا حقيقيا وتقتصر على الدفاع دون الإضرار الخطير بالمعتدي.

قواعد الضربة الإيرانية
قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، إن طهران أبلغت واشنطن أن هجمات إيران ضد إسرائيل ستكون “محدودة وللدفاع عن النفس”، كما أخطرت جيرانها قبل 72 ساعة من الهجمات.

أوضح الوزير الإيراني أن العمليات العسكرية استهدفت مواقع انطلاق طائرات إف 35، معتبرًا أن هجوم إسرائيلي على القنصلية بدمشق مخالف للقوانين والمواثيق الدولية، مضيفًا: “تحلينا بضبط النفس، لكن يبدو أن إسرائيل فهمت ذلك خطأ، وكنا دقيقين جدًا في الرد على إسرائيل”.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن إيران أطلقت، خلال هجومها الذي استمر 5 ساعات متواصلة، 185 طائرة بدون طيار “مسيرة”، و36 صاروخ كروز، و110 صواريخ أرض أرض.

وبحسب التصريحات الإسرائيلية، تم اعتراض 99% منها من منظومات الاعتراض الصاروخية.

وصفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية الضربة بأنها “أول هجوم تشن فيه طهران هجوما عسكريا مباشرا على إسرائيل رغم عقود من العداء” بينهما.

من يضع قواعد الاشتباك؟
من جانبه، قال المساعد السابق لوزير الدفاع الأميركي، مارك كيميت، في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية”، “يتم وضع قواعد الاشتباك بين مخططي العمليات، وهم الذين يضعون خططًا بناءً على ما يجب القيام به، والمتخصصين في إدارة العمليات الذين يحددون ما يُسمح به من عمليات للبقاء ضمن القوانين الوطنية والدولية، وحتى يتم تفادي السخط والعقوبات الدولية”.

وأوضح “كيميت” أن من بين تلك القواعد جزء سري لا يتم تداوله بشكل رسمي أو ينشر في وسائل الإعلام.

واتفق مع ذلك، محاضر الاستراتيجيات العسكرية بجامعة بورتسموث البريطانية، فرانك ليدويدج، حيث قال في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن مفهوم قواعد الاشتباك العسكري كبير للغاية ويتم دراسته في الكثير من الأكاديميات العسكرية.

وأوضح “ليدويدج” أنه يتم الاتفاق على قواعد الاشتباك بين طرفي الصراع إما من خلال “القنوات الرسمية”، أي الدبلوماسيين أو الدول الوسيطة، أو حتى من خلال وسائل الإعلام حينما تنشر تصريحات رسمية بشأن أهداف الضربات والموعد المتوقع لها، كما جرى في حالة هجمات إيران مؤخرًا.

 الحفاظ على المدنيين
بدوره، قال نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق لشؤون الشرق الأوسط مايك ملروي، في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن قواعد الاشتباك تركز على ما يسمى هدفًا عسكريًا صحيحًا يستثني المدنيين، لكن لسوء الحظ، يُقتل أو يصاب المدنيون أحيانًا في القتال كما تختبئ بعض الجماعات المعادية بين السكان.

وأضاف: “التناسب في القوة هو العامل الرئيسي في تحديد ما إذا كان الهجوم مشروع بموجب القانون الدولي أم لا، لكن إذا كان الهجوم غير مبرر، فسيكون ذلك مخالفًا للقانون الدولي”.

ولا تتضمن قواعد الاشتباك شرطًا لإبلاغ الطرف الآخر بتنفيذ هجوم ضده “فلا يوجد شرط لإخبار عدوك في الحرب بأنك ستهاجم”، وفق ملروي الذي سبق أن عمل لعقدين في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه).

وبشأن مدى تجاوز إيران وإسرائيل لقواعد الاشتباك خلال ضرباتهما الأخيرة، أوضح أن “إيران تستخدم قوات بالوكالة لمهاجمة أهداف مدنية في كثير من الأحيان، من بين ذلك حزب الله والحوثيون على سبيل المثال، وهذا انتهاك واضح للقانون الدولي”، مشيرًا إلى أن “البعض اتهم إسرائيل باستخدام قوة حازمة غير متناسبة، لكن وزارة الخارجية الأميركية تقول إنها لم تر ذلك”.

ليست قواعد ثابتة
ويقول الباحث المتخصص في السياسات الدفاعية، محمد حسن، لموقع “سكاي نيوز عربية”، إنه لا توجد قواعد عسكرية للاشتباك متفق عليها بين الدول كالمواثيق أو المعاهدات عدا اتفاقيات جنيف بخصوص الأسري وما يصدر من تفاهمات ثنائية أو أممية وفقا للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني..

لكن فيما يتعلق بقواعد الاشتباك الحربية في حالات الصراع، بما في ذلك جميع الدرجات من التنافس إلى الحرب المباشرة، فيتم تحديد هذه القواعد وفقا لموازين القوي داخل النطاق الإقليمي والدولي من جهة، ومن جهة أخري وفقا لآليات الردع الاستراتيجي بين الأطراف المتحاربة، وفق “حسن”.

وضرب مثلا بالحرب الروسية الأوكرانية، حيث تحولت ميادين المعارك فيها إلى ساحة لمختلف أنواع الأسلحة النوعية ذات التأثير التكتيكي، من الصواريخ الباليستية إلى الدرونز الـ FPV التى تشبه في قيادتها ألعاب الفيديو، لكن سواء شهدت ميادين المعارك تمدد أو انحسار لسيطرة أحد الأطراف فإنها تُحكم وفقا لتوازن الرعب أو توازن آليات الردع بداية من الردع التكتيكي إلى الردع النووي الاستراتيجي.

 وأضاف: “حتى الآن لم تجرؤ أي دولة أن تلحق ضرر وجودي بالدولة الأخرى تجنبا لاستخدام السلاح النووي، ومن هذا المنطلق هناك سقف للتقدم الروسي وهناك سقف كذلك لمستوى الدعم الغربي لأوكرانيا، فإن استشعرت أي دولة خطرا وجوديا فإن استخدام الأسلحة النووية قد يصبح في المتناول، ولهذا لدى روسيا وثيقة منظمة لاستخدام السلاح النووي، وكان لديها مع الولايات المتحدة آخر اتفاقية للتعاون العسكري في مجال ضبط سباق التسلح النووي “معاهدات ستارت”.

وفيما يخص الموقف الإقليمي، أشار الباحث المتخصص في السياسات الدفاعية، إلى أن هناك حالات كثيرة قدمتها إيران، فيما يخص قواعد الاشتباك ليس لأنها تمتلك أكبر شبكة من الميليشيات في الشرق الأوسط، ولكنها لأنها بقدراتها الشاملة لا تقوى على مواكبة المبالغة في خطابها السياسي محليا وإقليميا.

وتابع: “ففي النهاية، ستجد الخطاب السياسي الإيراني يندد بالسياسات الأمريكية ويتوعدها، ولكن حين تأتي المواجهة، تجد إيران قبل أن تطلق صاروخا واحدا تسارع بتدشين قنوات اتصال مع القيادة الأمريكية مباشرة أو من خلال وسطاء، لبحث تنسيق الضربة العسكرية”، وهذا ما أكده الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، حين قال إن إيران أبلغت الإدارة الأمريكية بتنفيذها ضربة صورية على قاعدة عين الأسد، بعدد معين من الصواريخ وإحداثياتها.

واتفق “حسن” مع “ملروي” أن توقيت الهجوم ليس بين قواعد الاشتباك، حيث قال: “في حرب أكتوبر 1973، بالطبع لم تبلغ مصر قبل الحرب أي جانب دولي أو إقليمي بموعدها أو الهدف منها، بالعكس، نفذت القاهرة واحدة من أفضل وأعتى خطط الخداع الاستراتيجي خلال القرن الماضي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى